"ميلر" والقرآن المذهل (3)
جمال عبد الناصر
إن عرض القرآن الكريم على قواعد البحث المنهجي والموضوعي، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا القرآن ليس من صنع البشر، وإن علم مقارنة الأديان الذي قارن بين القرآن وغيره من الكتب لدى أهل الأديان الأخرى، أثبت حقيقة أن هذا القرآن من عند الله لم تمسه يد بالتحريف ولا التبديل.
لقد أبهر القرآن الكريم الدكتور ميلر في إخباره بالغيب وحديثه عنه بأسلوب يقيني بالغ الدقة، يقول الدكتور ميلر عن آية أبهرته لإعجازها الغيبي: "من المعجزات الغيبية القرآنية هو التحدي للمستقبل بأشياء لا يمكن أن يتنبأ بها الإنسان، وهي خاضعة لنفس الاختبار السابق ألا وهوfalsification tests أو مبدأ إيجاد الأخطاء حتى تتبين صحة الشيء المراد اختباره، وهنا سوف نرى ماذا قال القرآن عن علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى.. القرآن يقول إن اليهود هم أشد الناس عداوة للمسلمين، وهذا مستمر إلى وقتنا الحاضر فأشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود، إن هذا يعتبر تحديًا عظيمًا؛ نظرا لأن اليهود لديهم الفرصة لهدم الإسلام بأمر بسيط إلا وهو أن يعاملوا المسلمين معاملة طيبة لبضع سنين ويقولون عندها: ها نحن نعاملكم معاملة طيبة، والقرآن يقول إننا أشد الناس عداوة لكم، إذن القرآن خطأ!، ولكن هذا لم يحدث خلال 1400 سنة!! ولن يحدث؛ لأن هذا الكلام نزل من الذي يعلم الغيب وليس من لدن إنسان!!".
ويقول ميلر: "هل رأيتم أن الآية التي تتكلم عن عداوة اليهود للمسلمين تعتبر تحديًا للعقول؟!! يقول القرآن:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمنوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة: 82-84]، وهذه الآية تنطبق على الدكتور ميلر نفسه، حيث إنه من النصارى فعندما علم الحق آمن ودخل الإسلام وأصبح داعية له.
ثم يكمل الدكتور ميلر مع القرآن المذهل والمعجز حقيقة، متحدثًا عن أسلوب فريد في القرآن أذهله لإعجازه فيقول: "بدون أدنى شك يوجد في القرآن توجه فريد ومذهل، لا يوجد في أي مكان آخر، وذلك أن القرآن يعطيك معلومات معينة، ويقول لك: لم تكن تعلمها من قبل!! مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: آية 44 {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}، وفي سورة هود: آية 49: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}، وفي سورة يوسف آية 102: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}.
ثم يكمل الدكتور ميلر حديثه مقارنا بين أسلوب القرآن وأسلوب الكتاب المقدس فيقول: "لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب، كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تخبرك من أين أتت هذه المعلومات، على سبيل المثال الكتاب المقدس (الإنجيل المحرَّف) عندما يناقش قصص القدماء، فإنه يقول لك الملك فلان عاش هنا، وهذا القائد قاتل هنا معركة معينة، وشخص آخر كان له عدد كذا من الأبناء وأسماؤهم فلان وفلان... إلخ، ولكنَّ هذا الكتاب (الإنجيل المحرف) دائمًا يخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات فيمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني لأن هذه المعلومات أتت منه".
أما القرآن الكريم فإنه يمد القارئ بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة!! بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت شاكًّا في صحة القرآن بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر!!، والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت -أي وقت نزول هذه الآيات على رسول الله- ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بأن هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه، بالرغم من ذلك لم يقولوا : هذا ليس جديدًا بل نحن نعرفه، أبدًا لم يحدث أن قالوا مثل ذلك، ولم يقولوا: نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات، أيضًا لم يحدث مثل هذا، ولكن الذي حدث أن أحدًا لم يجرؤ على تكذيبه أو الرد عليه؛ لأنها فعلاً معلومات جديدة كلية!! وليست من عقل بشر، ولكنها من الله الذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل".
هذا التدبر الجميل جاء من رجل كان غير مسلم ثم أسلم بعد ذلك، فليتنا –نحن المسلمين- نتدبر هذا القرآن، في زمن قل فيه التدبر، فهذه المعجزة القرآنية ما يراها كافر إلا وتجده بهت ووقف أمامها لا يملك حجة الرد ولا الطعن، حقا صدق ربنا حيث قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].
رابط دائم:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/202785.aspx