العقل والقلب
بقلم د. أيمن الجندى
٢٤/ ٤/ ٢٠١٣
كنتُ أعرف أنهم موجودون! هذا الكون الشاسع لا يمكن أن نكون فيه وحدنا. ولكننى لم أتصور أن أقابلهم. آخر ما أذكره أننى كنت أسير على شاطئ البحر وحدى. الشاطئ مهجور كعادته فى هذا الوقت من السنة.
وفجأة شاهدتُ نجما يلوح بإشعاع مفاجئ. ثم راح النجم يكبر ويتألق حتى أصبح فى قطر عملة معدنية. شرعت أرمقه كالمسحور وهو يقترب. يكبر حتى أصبح كالقمر، يتلألأ رقراقا بهيا. وفجأة هوى بسرعة جنونية، حتى أصبح على مسافة ذراع. وقتها فقدت الوعى.
حينما استيقظت وجدتهم بجانبى. مخلوقات حية لكنها لا تشبهنا. قبل أن أخاف قال لى: «اطمئن. فأنت آمن». أردف مفسراً وكأنه يقرأ حيرتى: «أنت على سطح كوكب بعيد فى مجرة على بعد آلاف السنين الضوئية! لك أن تعود إلى كوكبك فورا. أو- إذا شئت- تتبادل معنا الحديث ثم تذهب مصحوبا بالسلامة».
قلتُ فى صدق: «بل يسعدنى الحديث معكم. إذا كنتم موجودين وتعرفون كيفية الاتصال بنا فلماذا تركتمونا فى مفازة التحير!». قال فى بساطة: «لأنكم كائنات كثيرة الكلام مزعجة. ما زلتم على أول سلم التطور. نحن سبقناكم بنحو مائتى مليون سنة». ولذلك فأنتم تمثلون ماضينا السحيق، ونحن نمثل لكم المستقبل». قلتُ فى فضول: «أخبرنى عن أحوالكم». قال فى حياد: «سيطرتنا على المادة قد بلغت آفاقا لا تخطر بخيالكم. ولكننا لا ندرى هل كان اختيار أجدادنا صحيحا أم لا!». قلتُ فى فضول: «ما الذى اختاره أجدادكم؟».
قال وهو ينظر إلى بعيد: «منذ مائتى مليون عام كنا مثلكم نعانى من الصراع بين القلب والعقل. القلب يمنحنا المشاعر، سواء كانت الحب أو الكراهية. الرقة أو العنف. المودة أم العداوة. فى النهاية كلها مشاعر. وكان هناك فى الجانب الآخر العقل بقوانينه الصارمة التى جلبت لنا التقدم والرفاهية. تمكن أجدادنا من تحديد الجينات المسؤولة عن المشاعر، كنا قد تعبنا من الحروب والمشاعر الجامحة، لذلك اتخذوا قرارا مصيريا بضمور جينات المشاعر وتقوية جينات العقل، حتى تصبح الأجيال التالية كائنات عقلية صرفة».
قلت مذهولا: «وماذا ترتب على ذلك؟». قال: «لم نعد نضيع الوقت فى الثرثرة! أو تسهر امرأة من الغيرة أو الحب أو الشوق. صارت الحروب نادرة وتعتمد على تحليل عقلى صرف. اختفت السمنة من عالمنا بعد أن صار المرء يأكل السعرات الحرارية المطلوبة فقط. أصبحنا نعمل منذ الاستيقاظ وحتى النوم. وتصاعد التقدم العلمى بشكل لا يمكن أن تتخيله».
قلتُ فى ضيق: «ولكنكم افتقدتم الشىء الذى يجعل للحياة معنى. لقد فقدتم الكراهية والعنف والعداوة. لكنكم فقدتم فى الوقت نفسه الحب والرقة والمودة! فهل بوسعكم أن تعيدوا تنشيط الجينات الخاصة بالمشاعر؟!». قال: «نعم. ولكنه قرار خطير لا يريد أحد أن يتحمل مسؤولية اتخاذه. لذلك دعوناك لتبدد حيرتنا».
قلتُ فى ثقة: «بأمانة. لا يجلب الحب للعاشق إلا التعب. ولكنه الشىء الوحيد الذى يجعل للحياة معنى! ما الحياة بغير حب إلا أن أصبح (آلة). وإذا كنتُ آلة فما فائدة أن أحيا!».
وقرأتُ فى عينيه أنه موافق، ومستعد أن يضحى بهذا التقدم الهائل من أجل أن يحب ويكره.
aymanguindy@yahoo.com