اكتشف مقبرة توت عنج اَمون

كتب: مصطفى بيومى


عندما اكتشف عالم الآثارالإنجليزي هوارد كارتر مقبرة توت عنج آمون، في الرابع من نوفمبر سنة 1923، ثارت ضجة ذات شأن ودلالة في المجتمع المصري، وانفعل العاديون من الناس بالحدث الجلل، وتباري الشعراء والكتاب في التعبير عن الصدي شعرا ونثرا، وليس أدل علي ذلك من مبادرة شارعين كبيرين إلي التعبير عن انفعالهما، بالعامية والفصحي: بيرم التونسي وأحمد شوقي.
يقول بيرم في مقطع من قصيدته: في مصر كنت الملك.. لك جيش ولك حاميه في دولة غير دولتك.. ما تتعمل موميا وأمة غير أمتك.. ما تزرع الباميا ولما خشوا عليك المقبرة.. يلا قوك نايم مفتح.. ولكن في بلد عامية!
لم يكن الراديو والتليفزيون قد ظهرا بعد، ولم تكن القنوات الفضائية مما يتصوره الخيال، فالصحافة هي الجهاز الإعلامي الوحيد المنتشر المؤثر، ومن يعود إلي الصحف الصادرة قبل ما يزيد علي ثلاثة أرباع القرن، لن يجد مقالا واحدًا يسفه الاكتشاف، أو يتهم أجدادنا المصريين القدماء بالكفر والإلحاد، أما علماء الدين فلم يتطوع أحدهم بالحض علي إحراق المقبرة أو سلب ونهب محتوياتها، فقد كانوا من مستوي يختلف عن أدعياء اليوم، الذين يصدرون الفتاوي علي الهواء، ويرتجلون الكلمات المثيرة في عشوائية صارخة بلا تدبر، ويعتقدون أنهم من المعصومين الذين لا يقبلون المراجعة والمعارضة، ويتجاهلون عن حقيقة أنهم جهلة رضوا بالجهل ورضي الجهل بهم، كما قال الدكتور طه حسين عن طائفة من أشباههم.
من المزعج بحق أننا نتراجع في سرعة مذهلة، وأن بعض ثوابت وبديهات الأمس القريب لم تعد جديرة بالاحترام، بل إن كلمة «الوطن» نفسها تحظي بنصيب وافر من سفالة السفهاء الذين يقولون «طظ في مصر» فيجدون من يدافع عنهم ويبرر وقاحتهم ويقبل اليدين طلبا للبركة وإذعانا لقانون السمع والطاعة